بعض الناس يحمل هم الدعوة، وبعض الناس تحمل الدعوة همه.. هي من الفئة الأولى التي وهبت نفسها وجهدها ووقتها من أجل نصرة دينها وإعلاء شأنه.. نجحت في السباحة ضد التيار، وتحدت الصعاب، وتحملت مرارة الغربة وقسوتها، وتركت بصمة مميزة في الدفاع عن المرأة المسلمة ضد الانتهاكات التي تتعرض لها.. إنها الدكتورة نبيلة لوبيز ، رئيسة المجلس العالمي للعالمات المسلماتسابقا ومسئولة الاتحاد بأندونيسيا.
في البداية تخيلناها إندونيسية؛ لاندماجها مع الوفد الإندونيسي، وتحدثها لغتهم بطلاقة، حتى ملامحها التي يغلب عليها الطابع الشرق آسيوي.
وبدأنا معها الحوار ونحن على هذا الاعتقاد، حتى كانت المفاجأة.. فهي مصرية الأصل، تربت وعاشت بالقاهرة، ومنها انطلقت إلى إندونيسيا حيث العاصمة جاكرتا؛ لتبدأ مرحلة جديدة من حياتها تدعمها بشرى والدها بأنها "ستنشر الإسلام، وستكون معلمة للعربية أينما ذهبت بفضل الله، ثم تسلحها بالعلم".
حكمة القدر
* بداية، دعينا نتعرف عليك وعلى أسرتك بشيء من التفصيل.
- اسمي نبيلة لوبيز محمد، من مواليد القاهرة عام 1942م، أتممت كل تعليمي في مصر، حتى تخرجت في كلية الآداب– جامعة القاهرة عام 1963م. في أثناء دراستي في السنة الأولى الجامعية تعرفت الأسرة على الشاب الإندونيسي برهان الدين عمر لوبيز، وكان صديقا للأسرة، وفي بادئ الأمر لم يكن في مخيلتي أن أرتبط بشخص من خارج دولتي؛ إلا أن القدر سار في اتجاه معاكس، وتم الارتباط، واضعة في اعتباري نصيحة أبي أن أتم تعليمي الجامعي أولا؛ لأنه بعدها سيطمئن إلى أنني بعون الله سأستطيع نشر الإسلام ودعم اللغة العربية أينما ذهبت، وتم الزواج في يناير عام 1963، حسب طلب الوالد والأسرة؛ لأنني كبرى إخوتي، أقمنا في القاهرة فترة سنة ونصف، وبعدها حضر وزير الشئون الدينية الإندونيسي إلى القاهرة وتعرف علينا، وعرف أنني خريجة قسم الوثائق والمكتبات، فطلب أن نستعد للسفر لإندونيسيا على نفقة الحكومة؛ لأنني سأؤسس مكتبة جامعة شريف هداية الله الإسلامية الحكومية هناك.
وسافرنا في عام 1964م، وكانت ابنتي الكبرى أماني عمرها خمسة أشهر حينها، ثم رزقت بإلهام، وعمر، وأخيرا أحمد صبري، وكلهم متزوجون والحمد لله، ولدي 11 حفيدا.
وقد أتمت بناتي تعليمهن بالأزهر الشريف؛ فأماني خريجة كلية اللغات والترجمة، وهي الآن أستاذة بالجامعة، ووكيلة كلية الدراسات الإسلامية هناك، وإلهام خريجة كلية الدراسات الإنسانية قسم علم النفس، وهي الآن تعمل بوزارة الشئون الدينية بإندونيسيا كرئيس لقسم الوثائق وجوازات الحجاج، أما عمر فهو خريج اقتصاد، ويساعدني في إدارة مجلة (ألو إندونيسيا) التي أنشأتُها منذ ست سنوات، وأخيرا ابني الصغير أحمد صبري، وبرغم صغر سنه فإنه مشهور في إندونيسيا بأنه الشيخ أحمد صبري لوبيز، رئيس الجبهة الدفاعية الإسلامية، التي تطالب بتطبيق الشريعة في كل مناحي الحياة في إندونيسيا. البداية صعبة * انتقال حياتك من طبيعة لطبيعة مغايرة تماما، هل مثل لك صعوبات في البداية؟. - لا شك أن الوضع كان صعبا في البداية، خصوصا في الستينيات عندما ذهبت لأول مرة؛ كانت إندونيسيا ما زالت حديثة العهد بالاستقلال، وفي حالة شديدة من التأخر بعد استعمار دام 350 عاما؛ استعمار استنزف ثروات هذا البلد؛ لذا صُدِمْتُ لطبيعة الاختلاف بين الدولتين، ولكنني عدت وتذكرت أنني تزوجت من أجنبي، واستطعت التغلب على هذا العائق، وهذا في حد ذاته شيء كبير جدا كان يمنحني القوة لأواجه أي صعوبة، ثم تغلبت على عائق اللغة وتعلمتها بسرعة شديدة، غير أن مشكلة الطعام كانت صعبة جدا، ولكنني قلت لنفسي: يجب أن أعيش كما يعيشون، نعم.. لقد تزوجت إندونيسيا، وأعمل موظفة في الحكومة الإندونيسية، فيجب أن أكون واحدة منهم، وعاهدت نفسي على أن أتحمل المسئولية كاملة عن اختياري. * ماذا عن نشأة مجلس العالمات المسلمات؟. - المجلس العلمي النسائي العالمي أنشيء بداية في الخرطوم عام 1997م، ثم انتقلت رئاسته إلى المغرب في المؤتمر العام للاتحاد النسائي العالمي عام 2000م، ولكن من 2000 وحتى 2003 عندما عقد المؤتمر العام الثالث في إندونيسيا بجاكرتا، تنازلت المغرب عن رئاسته إلى إندونيسيا وتم بالإجماع اختياري لرئاسته. ويضم هذا المجلس عالمات من مختلف دول العالم في شتى مجالات المعرفة، ومن أهم أهداف المجلس: تشجيع المرأة على الكتابة والبحث ونشر أفكارها، وبحث القضايا التي تهم المرأة بشكل عام في مختلف المجالات. * ما الدور الذي يساهم به المجلس في الدفاع عن المرأة المسلمة ضد الانتهاكات التي تتعرض لها؟. - لدينا عالمات من مختلف البلدان كما قلت سلفا، وفي المؤتمر الذي عقد في جاكرتا عام 2003م، تواجدت عالمات من العراق، بالضبط في نفس وقت غزو العراق، وحاولنا جاهدات الوقوف معهن في محنتهن، وتحديدا مع المرأة العراقية ضد وحشية ممارسات القوات الأمريكية هناك. كذلك معنا عضوات من البوسنة، يتعرضن لنفس الممارسات التي نشجبها أيضا في إندونيسيا.
وكانت لنا وقفة ضد الليبراليين الذين يطالبون بتحريف تفاسير النصوص، فيحرمون -على سبيل المثال- تعدد الزوجات، ويبيحون زواج المسلمة من غير المسلم، وغير ذلك من القضايا الخطيرة التي تمس النساء في مختلف البلاد.
وكذا الأقليات التي تحتاج منا للكثير من الجهد والعمل معا.
نشاطات متعددة
* حدثينا عن أبرز نشاطات المجلس خلال توليك هذا المنصب.
- خلال السنوات الثلاث التي شرفت فيها برئاسة اللجنة، قمنا بالعديد من النشاطات، وأبرزها عقد الندوات؛ فهناك ندوات شهرية مهمة نقوم بها، أذكر على سبيل المثال ندوة عن طرق التعليم غير الرسمي؛ فإندونيسيا بها أكبر كثافة مسلمة في العالم، فمن مجمل عدد السكان الذي يصل لـ 220 مليون إندونيسي يوجد 85% منهم مسلمون؛ وللأسف يعاني الكثير منهم مشكلة في إتمام دراستهم، والاكتفاء بالمرحلة الابتدائية فقط؛ لذا فنحن نحاول مساعدة هؤلاء بالعمل على محو أميتهم، أو تعليمهم مهنة يمكنهم التكسب من خلالها.
أيضا عقدنا ندوة عن الرسوم المسيئة للنبي -صلى الله عليه وسلم- تناولت العلاقة بين الثقافات المختلفة، تحدثت فيها شخصيات كبيرة من علماء الدين.
إلى جانب الندوات التي تعقد للتصدي لليبراليين، الذين يحاولون التدخل في ثوابت شرعية، بالعبث تارة، أو بمحاولة سن تشريعات تبيح أفكارهم تارة أخرى.
* ما هي أبرز صفات المجتمع الآسيوي، والذي تعد إندونيسيا جزءا منه؟.
- هو مجتمع طيب وهادئ ومتدين جدا؛ قلما تجد في بيت آسيوي من يرفع صوته، ونادرا ما ترى مشاجرة في الشارع؛ فهم شعوب مهذبة للغاية، ويقدرون العرب ويحبونهم؛ لأنهم قادمون من بلاد الإسلام، هذه بعض سماتهم الخاصة. أما بالنسبة للتدين، فكلهم متدينون على اختلاف أديانهم.
عادات اندونيسية
* هل للشعب الإندونيسي عادات خاصة؟.
- عاداتهم وتقاليدهم مختلفة كثيرا عن الشعوب العربية، ولكنها عادات جميلة، أتمنى أن تتعلم منها شعوبنا؛ ففي العرس مثلا يبدأ الاحتفال بتلاوة القرآن، ثم يشرع المأذون في عمله، ويتلو كتابة العقد، وخطبة النكاح، ثم يجلس العروسان للاستماع لنصائح العرس التي قد تستمر أكثر من ساعة لكليهما.
* كيف يحتفلون بالمناسبات المختلفة؟.
- لديهم مناسبات كثيرة، ولعل أشهرها العقيقة، والتي تكون في الغالب في اليوم الأربعين من الولادة؛ فتنصب الخيام، وتقام الولائم الكبيرة الممتدة، ويساعدهم على ذلك طبيعة منازلهم المتسعة، هذا إلى جانب فرق الإنشاد والمديح أيضا.
وفي حالات الوفاة تهرع الأسر لإعداد الطعام لأهل المتوفى، وفي النهاية هي توجيهات إسلامية رائعة، لعل الجميع يلتزم بها.
* ماذا عن وضع المرأة العملي في إندونيسيا، وفي أي المجالات تشارك؟.
- تشارك المرأة في جميع المجالات، فلدينا 4 وزيرات: وزيرة شئون المرأة، والتجارة، والصحة، ووزيرة التخطيط القومي، وسبق أن وُجدت رئيسة جمهورية، وفي الجامعات وصلت لمنصب رئيسة جامعة، أيضا تعمل في المصانع، حتى العمل في الخارج والمعروف بتصدير الأيدي العاملة فلها نصيب كبير فيه، ويتم بشكل منظم عن طريق مكاتب الاستقدام.
* من خلال احتكاكك بالواقع، ما هي أبرز المشكلات التي تعاني منها المرأة الإندونيسية المسلمة؟.
- هناك العديد من المشكلات، منها مشكلة التعمق في الدين؛ فهن يتعلمن القرآن منذ الصغر، يدرسونه في سنوات دراستهم الأولى، ولكنهن للأسف قد لا يفهمن معناه، رغم أنهن أحيانا يكن قد أتموا حفظه؛ لذا لا بد من الترجمة.
كذلك مشكلة عدم وصول الخدمات التعليمية إلى كل أجزاء إندونيسيا، فضلا عن المشكلات الاجتماعية، وهي عائق كبير؛ فالكوارث الطبيعية في إندونيسيا كثيرة، ودائما ما تكون النساء والأطفال هم الأكثر تضررا.
مصدر: وكالاة الاتحاد النسائ الاسلامي العالمي
0 comments:
إرسال تعليق