الثلاثاء، يناير 10، 2012

اندونيسيا .. علاقات تاريخية وروابط سياسية ودينية عميقة مع مصر

فتحت الحكومة الإندونيسية - التى تتمتع بعلاقات تاريخية وروابط سياسية ودينية عميقة مع مصر - أبواب جزرها ال17 ألفا لوفد صحفى مصرى للإطلاع على تجربتها الفريدة فى مجال السياحة.
ولا يكون مفاجئا لدي وصول الوفد إلى إندونيسيا أن يبهرك مدى إلتزام شعبها - الذى تبلغ نسبة المسلمين فيه أكثر من 85 \% - شكلا وموضوعا عقيدة وعبادات.. فالطابع الإسلامى يبدو غالبا على كافة مناحى الحياة، كما أن مرجعية الأزهر الشريف تطالعك مع كل من تلتقيهم من أبناء إندونيسيا الذين نهل الآلاف منهم ولا يزالون العلم فى مصر وعلى يد علماء الأزهر.

وتعامل المسئولون والمجتمع المدنى فى إندونيسيا مع هذا التمسك بالدين الإسلامى فى صفوف الأغلبية المسلمة لسكان البلاد على أنه رافد هام لجذب مزيد من السياح فى بلاد تتسم بالتنوع والمتناقضات والمناظر الطبيعية المبهرة، والأهم من ذلك روح الفريق التى تتجسد فى كل إنجاز تحققه هذه الدولة الفتية.

وبالرغم من تلقى قطاع السياحة الإندونيسي على مدى العقد الماضى ضربات موجعة كان فى مقدمتها تفجيرات جزيرة بالى وتسونامى الذى طال جزيرة سومطرة، إلا أن إندونيسيا سرعان ما استعادت مكانتها على الخريطة السياحية العالمية، وأقرت حكومتها محفزات لجذب السياح.


ومن هذه المحفزات إقامة المزيد من الفنادق والمنتجعات السياحية، وخفض أسعار الإقامة، وتشجيع سياحة المؤتمرات، ومحفزات لجذب الاستثمارات الأجنبية، إضافة إلى محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه مما أدى لزيادة عدد السائحين وصولا إلى رقم 7 ملايين سائح سنويا ينتظر مضاعفتها على مدى الأعوام الثلاثة القادمة، معظمهم من (إستراليا، وكوريا، واليابان، وألمانيا، وبريطانيا)، وذلك بالإضافة إلى أعداد لا بأس بها من السياح العرب.

ويزور إندونيسيا نحو 3000 سائح مصرى فقط لأسباب عدة أهمها بعد المسافة، وعدم وجود خط طيران مباشر بين البلدين بعد أن توقف هذا الخط منذ عام 1995، إلا أن هناك مؤشرات على استئناف العمل به العام المقبل.

إندونيسيا رمز التعايش السلمى بين الأديان


وشهد الوفد الصحفى المصرى علامات عدة على تخطى إندونيسيا لفترة النقاهة السياحية فى كل مناحى الحياة، حيث صارت إندونيسيا رمزا للتعايش السلمى بين الأديان، وبالرغم من أن 85 \% من سكانها مسلمون إلا أن نسبة يعتد بها من البوذيين والهندوس والمسيحيين والكونفوشيوسيون تعيش جنبا إلى جنب مع مسلميها، وتقف معالم المدن الكبرى شاهدا على هذا التعايش والاندماج.

وإندونيسيا التى حصلت على استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية وذلك بعد ثلاثة قرون ونصف من الاستعمار الهولندي، هي أحد الأعضاء المؤسسين للآسيان وعضو في مجموعة العشرين، فيما يعد اقتصادها فى المرتبة ال18 بين أكبر اقتصاديات العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، كما توجد فى إندونيسيا مساحات شاسعة من الأراضي البرية تعكس غنى مواردها الطبيعية لتصبح ثانى أعلى مستوى للتنوع البيولوجي على مستوى دول العالم.

وجاكرتا العاصمة التى يقطنها نحو 13 مليون نسمة مليئة بالنتاقضات مثل إندونيسيا.. فالحى الصينى يتميز على الأطراف بالمباني الصغيرة المتلاصقة والشوارع الضيقة، بينما وسط المدينة يتميز بناطحات السحاب والفنادق الفخمة ما يعكس حجم التجارة والأعمال، أما الشىء المميز الوحيد الذى تجده فى كل مكان تذهب إليه هو الدراجات الهوائية التى تخوض الملايين منها شوارع العاصمة كل يوم فى إطار من النظام المثير للدهشة لتشكل عاملا لحل مشكلة المرور بدلا من أن تكون سببا فى تفاقمها.

الأصالة والمعاصرة

وتجمع جاكرتا بين الأصالة والمعاصرة فى المباني فبها مبان مقامة منذ نحو ثلاثة عقود وترجع لفترة الاستعمار الهولندي الذى أراد جاكرتا مماثلة لامستردام فى القرن ال16، وهى مدينة جوها حار وشديد الرطوبة بجانب كونها ميناء استراتيجى اتجه إليه التجار العرب عندما دخل الإسلام إندونيسيا وانتشر فى بروعها فى القرن ال15 على يد تجار عرب خاصة اليمنيين وانتشر بشكل كبير وسريع فى ربوع البلاد قبل مجيء الهولنديين واستمر قويا حتى بعد رحيلهم.

ولا تقيم إندونيسيا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل برغم كثافة سكان جاكرتا التى تبلغ مساحتها 600 كم مربع، ورغم ذلك فهناك إلتزام شديد بأدب المرور فهناك تقاليد راسخة تفتح الباب للسياحة، كما أن هناك حارات خاصة بسيارات الإسعاف والمطافىء والشرطة والأوتوبيسات العامة، والكل ينتظر فى محطات أوتوبيس أشبه بمحطات مترو الأنفاق فى طوابير مخصصة لكل رقم أوتوبيس منعا للتدافع وحرصا على النظام.

وإلى جانب النصب التذكارى - على شكل شعلة مطلية بالذهب - الذى بناه الرئيس الإندونيسي الراحل سوهارتو فى نفس فترة بناء الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لبرج القاهرة أوائل الستينات، يوجد فى مدينة "باندونج" حديقة كبرى تمثل كافة الجزر الإندونيسية بمحافظاتها ال27 والتى تمت زيادتها مؤخرا لتصبح 33 محافظة، وتقع الحديقة على مساحة هائلة وبها مظاهر حياة ومنازل وقرى تمثل كل إقليم على حدة بتقاليده وعاداته.

واشتهرت "باندونج" عالميا بسبب مؤتمر عدم الانحياز فى أواخر الخمسنيات، ويعيش فيها نحو 5ر2 مليون نسمة وهى عاصمة غرب إندونيسيا وتتميز بمسرح "ساونج أنجلنج زوجو" الذى يتم فيه تقديم رقصات إندونيسية تقليدية على أنغام آلة "أنكلونج" وتوجد به مدرسة لتعليم هذه الآلة والعزف عليها حيث تحتاج تعاون عدة عازفين فى المقطوعة الواحدة وهى مصنوعة من البامبو.

بركان جبل تانجو

وأراد الهولنديون أن تكون مدينة "باندونج" عاصمة إندونيسيا بعد أن سحرهم جمالها وبنوا منزلا على طراز البيت الأبيض يحمل نفس الاسم، وذلك حيث يوجد بها بركان جبل "تانجو كويان فراهو" أو المركب المقلوب وهو خامد من عشرات السنين ويعد آية فى الجمال والروعة ويرتفع ألفى متر عن سطح البحر، ويأتى إليه الطلاب الإندونيسيون للاحتفال بمناسبة رفع العلم الإندونيسى فوق قمة الجبل وقرب فوهة البركان.

وعلى الرغم من امتلاء إندونيسيا بالبراكين إلا أن بركان الجبل المقلوب مختلف فى شكله وجماله.

أما جزيرة "بالى" درة تاج السياحة الإندونيسى فيحيطها الماء من كل جانب وبها بحيرة عملاقة وسط جبال شاهقة، وحولها معابد هندوسية من كل صوب، فيما تنتشر الشواطىء الخلابة سواء الرملية أو البركانية الصخرية فى ربوع الجزيرة لتجعلها من أهم وأشهر المقاصد السياحية حول العالم.


ولا يمكن زيارة "بالى" بدون زيارة معبد "تاناه لوتا" وذلك بسبب مشهد غروب الشمس الذى يفد إليه السياح من كل مكان، وقد تم بناء المعبد فى القرن ال15 وهو يقع فى حزيرة صغيرة للغاية بالمحيط الهندى مقابلة لجزيرة "بالى" وتربطها بها ممر برى صغير جدا يتوارى مع المد والجزر ويوجد تحت المعبد - مع انحسار مياه البحر - مياه عذبة مما يجعله مكانا له خصوصية عند الهندوس.

وتجسد بالى بسكانها البالغ عددهم نحو 4 ملايين نسمة روح التسامح والتنوع والاندماج الدينى وتوحد المواطنين على خلاف دياناتهم، فسكان الجزيرة 90 \% منهم من الهندوس وبها 10 آلاف معبد وتماثيل للبطل الأسطورى "بيما" يحارب التنين.

وعندما دخل التجار العرب إندونيسيا كانت الهندوسية هى الغالبة دينا وثقافة، لكن مع انتشار الإسلام فى ربوع جزر إندونيسيا هاجر معظم الهندوس إلى بالى وتوطنوا هناك، وكان ذلك من أهم الأسباب وراء تراجع واضعى الدستور عام 1945 عن وضع بعض النصوص ذات الطابع الدينى الإسلامى حفاظا على بعض الأقاليم ذات الأغلبية غير المسلمة - مثل بالى - ضمن الأراضى الإندونيسية وإبعاد شبح الانفصال عنها.

ويرى البعض أن موقع إندونيسيا الفريد جغرافيا وجزرها العديدة وجمال الطبيعة هى أهم مميزاتها، غير أن آخرين يرون تنوع الأديان والثقافات هو أهم مميزاتها، لكن الواقع أن ثقافة التعاون وروح الفريق والنظام والانضباط والتحضر الأخلاقى بالفطرة هم أهم مميزات شعب إندونيسيا ليشكل سياجا يضمن تضافر كافة هذه العناصر فى منظومة مجتمعية فريدة مكنت شعبها من تخطى كافة العقبات والتحديات الداخلية والاقليمية واالدولية.

مصدر:موقع المحيط

0 comments:

إرسال تعليق